نعمة محمد عبد الرحيم مدير إدارة المنتدي
عدد المساهمات : 1638 تاريخ التسجيل : 11/11/2010 العمر : 70 الموقع : مصر/المنيا
| موضوع: وجهة نظر(هل نستورد شعباً؟ الأحد مايو 15, 2011 12:35 pm | |
| [b]وجهة نظر(هل نستورد شعباً؟
بقلم مفيد فوزى ١٥/ ٥/ ٢٠١١ بالعقل، بالمنطق، بالتاريخ، بالجغرافيا، بمجرى النيل، بأذان المساجد، بأجراس الكنائس، بانسحاق الموظفين، بثرثرة المثقفين، بنداءات الباعة السريحة، بزغاريد الأفراح وصراخ المآتم، بهزال الفلاحين، بعنوسة البنات، بالغناء الكلثومى، بالأصوات المتحشرجة، بالملايات اللف، بالحجاب، بالنقاب، هذا هو شعب مصر منذ آلاف السنين إلى الآن.. جرب السخرة وذاق الهوان، عرف الانكسار وعاش الانتصار. تعرض لغزوات لم تثن عزمه، حكمه فراعنة فكان أطول قامة منهم. عذبوه، طحنوه، مرمطوه.. فكان أصلب.
هبت عليه رياح سياسية بمواسم: شيوعية، اشتراكية، رأسمالية، شمولية، إخوانية، سلفية.. فلم تسطع فيه غير «المصرية».
الفرق بين مصر وبلاد أخرى، أن مصر لها هموم روحية واحدة، والبلاد الأخرى تضم «شعباً مرجانية» من كل المحيطات والبحار، وتأتى عبقرية شعب مصر من تحايل فقرائه على المعايش، وتأتى أيضاً من احتوائه لكل من حاول فرض طيفه عليه، وتأتى من انصهاره فى بوتقات شتى دون تأثر، وقد يصاب سطح الجلد ولا ينفذ شىء إلى الروح، مرّ على شعب مصر حقبات من التاريخ بين صعود وانحطاط، وبين تحضر وتخلف، وبين يأس وأمل، وفى كل (أحواله) كان اختباراً لمعدنه ونزولاً لآبار أصالته وعناقاً دائماً بين قرآنه وإنجيله. فى كل أحواله يضحك هذا الشعب مهما سربله الحزن، ويبكى من فرح لم يتوقعه مطلقاً.
هذا الشعب المصرى دخل «محمصة» الحكام، وتقلب كحبات البن الأسمر يقاوم، وازداد صلابة وصار فى قامة النخيل. نام فى حضن القهر، لكن مفتوح العينين، هتك خصوصيته «البصاصون» فاستقوى بطاقاته المختبئة.
ضاق بشبابه الرزق فهاجر على مركب شراعى ومات قرب السواحل، من الأذى الطويل تعلم هذا الشعب فن الصبر، ومن ضيق الأرزاق تعلم فقه التكيف، ومن الطناش الشديد تعلم أساليب الثأر. مرة يغنى، ومرة يرسم، ومرة يكتب على الحيطان، ومرة ينكت. لم يعدم وسيلة للتعبير، وكانت هذه «رأس الحربة» لثورة يناير.
كانت آلام ما قبل الولادة. كانت السماء الملبدة قبل سقوط المطر. كان شعب مصر يشتاق لهذه «العملية» على أيدى أطباء شبان، فقد أظهرت الأشعة بالصبغة الملونة انسداد شرايين الحرية رغم الدعامات لهذا القلب، وبعد العملية الناجحة بقليل، دخل نفر من الناس مجهولى الهوية وتزايدت أعدادعم وكثرت لحاهم وتعالت أصواتهم، أشعلوا الحرائق وتعاملوا بالأسلحة والشوم، وهددوا أمن منصات القضاة وقطعوا خطوط السكة الحديد، وبكت مريم العذراء فوق الهياكل والنار فى الكنائس، كان الأمن فى «خسوف» حتى إشعار آخر، وأعطى هذا الخسوف الشرعية لبلطجة عربدت فى البلاد. كيف أفرزت ثورة يناير ٢٠١١ هذا الكم الهائل من «التشوهات» فى الشخصية المصرية؟
هل هذا بعينه الشعب الذى جاء منه زويل وطلعت حرب وسعد زغلول وأم كلثوم وسهير القلماوى ويوسف شاهين ونجيب محفوظ وأحمد بهاء الدين والشيخ محمد الغزالى؟ ماذا جرى لهذا الشعب الذى خرج من صفوفه شبان أنقياء فى طلعة نهار ليدكوا حصون الفساد بينما خرجت فى نفس الوقت «سحالى» وزواحف وثعابين حوّلت البلد إلى غابة أسقطت هيبة الدولة..
ماذا جرى؟ هل هى «صدمة الصحوة»؟ هل هى «آلام التعافى»؟ هل هو «انفجار أنابيب الغضب»؟ هل هو «الثأر الكبير»؟ هل هى «فوضى ما بعد الثورات»؟ هل هو «تحلل الطاقة الثورية إلى أشكال أخرى من العنف»؟ هل هو «انقطاع التيار» بين المنظومة الأخلاقية ومنظومة جديدة لم تشكل بعد؟
هل هى «خلخلة» فى بنيان الشخصية المصرية، أفرزت أسوأ مافيها من سلبيات؟ هل هى ثورة كرامة أعقبتها «ثورة جياع»؟ هل هو «الإعصار» حين ضاق الضيق الذى عاشت فيه العشوائيات؟
ثم ماذا؟ هل نستورد شعباً منزوع الأمية، يتعافى بحُقن الوعى المركزة ويعالج داء الفرعنة بسم الصراصير؟ هل نستورد شعباً يستحق ثورة سكنت فندق ذاكرة التاريخ وسوف تقيم إلى آخر الزمن؟ هل نستورد شعباً يقسم بدم الشهداء أن يحافظ على تراب الوطن من كل أذى أو تخريب؟ هل نستورد شعباً لا تأكله نار المطالب الفئوية أو الطائفية أو السلفية؟
هل نستورد شعباً يحترم الرأى المخالف ويحمى كفاءاته ولا يهدر طاقاته تحت مسميات اخترعتها الصحافة؟
(عبدالناصر سعى إلى أم كلثوم التى غنت للملك ولم تعتبرها ثورة يوليو من العهد الملكى البائد). هل نستورد شعباً يحترم الأديان السماوية ولا يختزلها فى حكايات نبتت فى أرض مخصبة بالجهل؟
هل نستورد شعباً لديه إحاطة بأن بنت موسلينى، طاغية إيطاليا، مذيعة فى التليفزيون الإيطالى، وفى ألمانيا حزب نازى، وفى روسيا بوتين لا أحد يعترض على جورباتشوف؟
هل نستورد شعباً يدرك بيقين أن الماضى يصب فى الحاضر، والحاضر يجرى فى نهر المستقبل، وأن الشعوب حلقات متواصلة؟
هل نستورد شعباً يملك حاسة الإنصاف قبل التشفى وشجاعة الرأى قبل السقوط فى بئر النفاق، ويتسامى على الانتقام، وفى السماء (منصة قضاة) فوق كل المنصات؟
كيف نتطهر لنعوض ما فات؟ بالكى بالنار؟ بالضرب بيد من حديد؟ بالشرطة العسكرية؟ بالأحكام الرادعة؟ بالصلاة؟ بالتقرب إلى الله؟ أم بفرضية استيراد شعب؟!
[/b] | |
|