[center]وجهة نظر( عن الترشيحات والتعيينات)
بقلم د.حسن نافعة ٢٠/ ٤/ ٢٠١١
واهم من يعتقد أن الديمقراطية يمكن أن تختزل فى صندوق انتخابى شفاف أو لضمان قدر أكبر من المشاركة السياسية فى عملية صنع القرار. فالديمقراطية نظام متكامل وغير قابل للتشغيل إلا من خلال آليات تعمل بشكل منسق ومتواز، وهى وسيلة لتحقيق أهداف وغايات أخرى نبيلة، كالعدالة الاجتماعية، والتنمية المتكافئة، والاستقلال والكرامة الوطنية... إلخ. ويدرك كل متابع لما يجرى حاليا على الساحة السياسية أن البعض يحاول إقناعنا بأن صفحة الماضى طُويت، وأن صفحة جديدة وناصعة بدأت بمجرد الإطاحة برموز النظام القديم ومثولهم أمام جهات التحقيق، من ناحية، والبدء فى اتخاذ ضمانات قانونية تتيح إجراء انتخابات حرة ونزيهة، من ناحية أخرى، وهو فى تقديرى وهم كبير. فالإطاحة برموز النظام القديم، أو حتى تقديمهم للمحاكمة ومحاسبتهم على ما ارتكبوه من جرائم، لا تعنى شيئا إذا حلت محل الرموز القديمة رموز تحمل المواصفات نفسها، ولكن بأسماء وعناوين مختلفة.
فالأهم أن يحتوى النظام الجديد على آليات للفرز والاختيار تضمن تبوؤ أفضل العناصر أهم المواقع ووضع الشخص السليم فى المكان السليم. ووجود ضمانات قانونية تحول دون تزوير إرادة الناخبين لا يعنى شيئا إذا لم تفرز الانتخابات سوى وجوه تعكس سطوة المال أو الدين أو الطائفة أو القبيلة... إلخ. فالأهم أن يحتوى النظام الجديد على آليات تضمن وصول الممثلين الحقيقيين للشعب إلى مواقع السلطة عبر انتخابات حرة.
لم تشهد البلاد، منذ الإطاحة برأس النظام القديم فى ١١ فبراير الماضى، أى انتخابات تمثيلية تتيح لنا اختبار آليات النظام الجديد ومدى قدرة هذه الآليات على إفراز عناصر ووجوه مختلفة تليق بروح وطموحات ثورة ٢٥ يناير. غير أن البلاد شهدت، خلال هذه الفترة، ترشيحات لشغل مناصب دولية عليا، مثل الترشيح لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أو تعيينات فى مواقع السلطات التنفيذية والإدارية العليا، كرئاسة الوزراء والوزراء والمحافظين وغيرهم. وإن دلت هذه الترشيحات والتعيينات على شىء فإنما تدل على أن روح النظام القديم لاتزال مسيطرة، وأن نظام مرحلة ما بعد ١١ فبراير مازال يعمل بآليات ومعايير النظام القديم نفسها دونما تغير يذكر.
ففيما يتعلق بالترشيح لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، يلاحظ أن النظام القديم رشح الدكتور مفيد شهاب، وهو اختيار يليق به، لكن المثير للتأمل أن النظام الجديد سعى فى البداية للإبقاء على الخيار القديم كما هو. وحين أثار تردده فى تغييره ردود أفعال غاضبة، رشح الدكتور مصطفى الفقى، سكرتير الرئيس مبارك الأسبق للمعلومات والعضو المعين فى مجلس الشورى، فلقى ترشيحه اعتراضا فوريا واستهجانا كبيرا فى الداخل والخارج، سواء من جانب قطاعات واسعة من شباب الثورة أو من جانب أوساط القوميين العرب، وهو ما لمسته بنفسى أثناء مشاركتى فى المؤتمر القومى - الإسلامى الذى عقد فى بيروت منذ يومين. فلم يستطع المثقفون العرب المتحمسون للثورة المصرية فهم أسباب هذا الترشيح الذى أصابهم بحيرة كبيرة، وكأن مصر أصبحت بلدا عقيما.
أما فيما يتعلق بالتعيين فى مناصب رئيس الوزراء والوزراء والمحافظين، فقد لوحظ:
١- حرص واضح فى البداية على التمسك بالفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء المعين من جانب مبارك، ورغم التضحية به لاحقا تحت ضغط الانتقادات، فقد جرت محاولة غير مفهومة للتمسك بعدد من رموز النظام القديم فى وزارات سيادية ضمن وزارة الدكتور عصام شرف الأولى لم يتم التخلص منها إلا تحت ضغط شديد وبعد إهدار وقت ثمين.
٢- لم تقدم الحكومة، لأسباب غير مفهومة، على تغيير المحافظين إلا بعد مرور وقت طويل، وعندما أقدمت، تحت الإلحاح، جاءت الغالبية الساحقة من تعييناتها غير موفقة بالمرة، فأغلبهم من العسكريين أو رجال الشرطة، ومن وجوه شغلت مواقع قيادية فى النظام السابق دون أن تثبت جدارة أو كفاءة استثنائية، لذا ووجهت بانتقادات واسعة النطاق، ربما كان أبرزها ما يتعلق بمحافظ قنا، الذى جرى حوله لغط كثير.
وقد أدهشنى كثيرا أن يقع الاختيار على لواء شرطة سابق، ربما يكون متورطا فى سفك دماء شهداء الثورة، ليكون هو المحافظ القبطى الوحيد فى حركة المحافظين الجدد، فيتسبب فى خلط شديد للأوراق ويبدو الاعتراض عليه وكأنه اعتراض على ملة الرجل أو دينه وليس على تاريخه الأمنى.
لا أدعى علما بالطريقة التى تُصنع بها القرارات فى المرحلة الراهنة، خصوصا فيما يتعلق بالتعيينات والترشحيات للمناصب العليا، ولا ما إذا كان القرار حول هذه الأمور المهمة يُتخذ منفردا بواسطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة أم بالتنسيق والتشاور مع رئيس الوزراء، لكن الشىء المؤكد لدىّ، وحتى إشعار آخر، هو غياب المعايير الموضوعية!. فمتى ندرك أن من الخطورة بمكان إدارة المرحلة الانتقالية، وهى الأكثر أهمية وحساسية، بواسطة رجال النظام القديم؟
[/center]