نعمة محمد عبد الرحيم مدير إدارة المنتدي
عدد المساهمات : 1638 تاريخ التسجيل : 11/11/2010 العمر : 70 الموقع : مصر/المنيا
| موضوع: ثورة دون سياسة خارجية ثورية(مساحة راى) الجمعة أبريل 15, 2011 3:46 pm | |
| ]size=18]ثورة دون سياسة خارجية ثورية(مساحة راى)
بقلم جمال حسن ١٥/ ٤/ ٢٠١١ هل الوقت مناسب لفتح حوار حول السياسة الخارجية؟ الإجابة المباشرة والبسيطة هى: «لا، لم يحن الوقت بعد». والسبب قد لا يغيب عن فطنة الكثيرين، فالسيولة وعدم اليقين اللذان يطبعان الوضع الداخلى لا يعطيان مساحة كبيرة لتحرك خارجى نشط ومنظم بغرض تحقيق أهداف محددة، ناهيك عن إعادة صياغة تحركات جديدة قد تنطوى على تحولات جوهرية فى توجهات السياسة الخارجية.
مع ذلك، فإننا نواجه معضلتين رئيسيتين هنا: الأولى تتمثل فى صعوبة التعامل مع السياسة الخارجية من وضع السكون، أى العمل على أساس ثبات جميع العوامل المحيطة، فهذا أمر غير واقعى ولا مجال له فى العالم. والثانية، أن الأحداث تتغير – فى منطقتنا بالذات - بسرعة مذهلة تجعل من قبيل المستحيل الاكتفاء بالنظر والانتظار. وبالتالى، فنحن مدفوعون دفعاً، ومطالبون بصياغة مواقف سياسية من قضايا جوهرية لا تحتمل التأجيل. ولعل أبلغ مثل على ذلك ما يحدث فى ليبيا، والذى فرض على الدولة المصرية تبنى خيار بعينه (عدم التورط فى الأزمة).
ورغم إدراكى أن السطور المقبلة لن تصادف هوىً لدى كثيرين فى ظل مزاج عام يستلهم روح الثورة، ويرى - عن حق - ضرورة امتداد أثرها إلى جميع أوجه العمل الوطنى فى الداخل والخارج، إلا أننى سأطرح أربعة مبادئ أراها تصلح كخطوط استرشادية للتعامل مع السياسة الخارجية فى المرحلة المقبلة:
١- الحاجة إلى تفويض من الجمهور
لاشك أن أخطر ما كان يواجه سياستنا الخارجية فى ظل النظام السابق (الممتد منذ١٩٥٢) أنها كانت سياسة تُصنع وتُدار فوقياً بواسطة السلطة التنفيذية ممثلة فى الرئيس بالأساس. أما وقد تغير الحال وعادت السيادة للأمة، فإن توجهات السياسة الخارجية الرئيسية لابد أن تحظى – بصورة عامة - برضا الشعب، وأن تأتى معبرة عنه. وبطبيعة الحال، فإن الأمر ليس بهذه البساطة خاصة بعد أعوام طويلة من تغييب الشعب الذى اعتاد أن تنزل له قرارات السياسة الخارجية من علٍ، فلا يكون أمامه إلا تقبلها راضياً أو ساخطاً.
ولكى يعود الشعب للمشاركة، فإن الأمر يحتاج إلى فتح حوار جاد يشارك فيه الجميع بشفافية كاملة حول خيارات السياسة الخارجية وما يرتبه كل خيار من تبعات. وفى كل الأحوال فإن الشعب مدعو للمشاركة فى قرار السياسة الخارجية من خلال اختيار ممثليه فى البرلمان، والأهم من ذلك من خلال اختيار رئيس الجمهورية والتصويت لصالح برنامج مرشح معين.
والحاصل أن الحكومة الحالية ليس لديها هذا التفويض من الجمهور، فحكومة تسيير الأعمال تعنى ببساطة «تسيير الأعمال» وليس أكثر. وبالتالى فإن الحكومة الحالية ليست مخوّلة – بأى حال - بتبنى سياسات يكون من شأنها تبديل التوجهات الاستراتيجية للدولة، أو تحويل دفة السياسة الخارجية.
ومع ذلك، ففى إمكان الحكومة –بل من واجبها- اتخاذ ما يلزم من القرارات والسياسات لمراعاة تحقيق المصالح الوطنية العليا فى الخارج كما يحددها رأس الدولة – أى المجلس العسكرى - الذى منحه الإعلان الدستورى سلطة التشريع والتنفيذ معاً فى المرحلة الانتقالية. والأصل هنا أن تكون قرارات السياسة الخارجية متصلة باحتياجات المرحلة الانتقالية وتحدياتها، وليس صياغة منظومة أو برنامج أو توجه متكامل للسياسة الخارجية، إذ إن حدود التفويض الحالى لا تسمح بأكثر من ذلك.
٢- الجغرافيا لا تتغير بسبب الثورة!
السياسة الخارجية لأى دولة هى حصيلة عوامل مختلفة أهمها الجغرافيا والتاريخ، وتفاعل البشر معهما. الموضع يحدد - إلى حد بعيد - الفضاء الذى تتحرك فيه، والتاريخ يطبع رؤيتك لذاتك ومحيطك ودورك. الجغرافيا والتاريخ معطيات ثابتة، وبالتالى فإن الدول الراسخة فى موقعها، الممتدة فى تاريخها، غالباً ما تتمتع بسياسة خارجية مستمرة وثابتة. ومن هنا، يمكن تفسير كيف لم تتغير الأطماع الإيرانية فى الخليج من زمن الشاه إلى زمن الملالى وإن اكتست بعباءة تصدير الثورة فى الزمن الجديد. ويمكن فهم التوسع الروسى فى شرق أوروبا، سواء فى زمن القياصرة أو حكم الحزب الشيوعى.
ومع التسليم بأن التفاعل بين الشعب وموقعه وتاريخه هو عملية ديناميكية تتغير باستمرار، إلا أن الدول المستقرة عادة ما تجرى التغيرات على سياستها الخارجية ببطء. وهذه النقطة ينبغى أن تكون نصب أعيننا، خاصة فى المرحلة الانتقالية الحالية. فالثورات غالباً ما تكون لديها رؤية مغايرة للذات والعالم.
وهذه الرؤية غالباً ما تدفع فى اتجاه التغيير الراديكالى فى توجهات السياسة الخارجية على اعتبار أن السياسة القديمة تنتمى للعهد البائد. وما ينبغى التنبه له هنا، هو أن أغلب الثورات – ومنها ١٩٥٢ - هُزمت فى الأساس فى ساحة العمل الخارجى لأنها لم تنظر للتحرك الخارجى سوى كوسيلة للتعبئة الداخلية وكسب الشعبية.
وعلى ذلك، فإن الحاجة ماسة لمناقشة هادئة تسمح بفض الاشتباك بين عناصر سياستنا الخارجية التى ارتبطت بالأجندة الشخصية لرأس النظام السابق (الحفاظ على السلطة/ التوريث)، والعناصر التى تمثل امتداداً طبيعياً للمصالح المستقرة للدولة المصرية.
وعلى سبيل المثال، فإن الكثيرين قد يدهشون لمعرفة أن سياسة الحياد الإيجابى التى شكلت جوهر فكرة «عدم الانحياز» التى تبناها ناصر، لم تكن اختراعاً ناصرياً وإنما كان مصطفى النحاس أول من بشّر بها فى ١٩٥٠ عندما قرر أن تقف مصر من الحرب الكورية موقف الحياد.
وبكلام آخر، ينبغى عدم إهالة التراب على هيكل سياستنا الخارجية لمجرد أنه ينتمى إلى نظام سقط، وإنما يتعين الوقوف على المصالح التى دفعت لتبنى توجه خارجى بعينه، ثم تبين ما إذا كانت هذه المصالح تعبر عن أهواء زمرة الحكم ومراميهم الشخصية، أم أنها كانت تعكس حاجات وطنية.
٣- المواقف السياسية ينبغى أن تكون جزءاً من استراتيجية أشمل
إذا كانت ساحة العمل فى الخارج أشبه برقعة شطرنج، فإن أخطر شىء هو أن يقدم اللاعب على تحريك قطعة دون خطة تأخذ فى الاعتبار النقلات الثلاث التى تليها. وتاريخياً، اتُخذت أهم قرارات سياستنا الخارجية بأسلوب النقلة الواحدة (تأميم القناة / الوحدة مع سوريا/ سحب قوات الطوارئ وإغلاق المضايق/ السلام مع إسرائيل).
ولكى لا أُفهم خطأ فإن ما أقصده لا ينصرف إلى ضرورة التخطيط الجيد للقرار، وإنما يهدف إلى معنى أشمل هو ضرورة أن يكون واضحاً لدينا، ونحن نصوغ سياستنا الخارجية الجديدة، أن السياسة الخارجية ليست مجموعة قرارات أو تصريحات فى هذا الاتجاه أو ذاك، وإنما توجهٌ كلى وتحرك يُبنى عاماً بعد عام، عنوانه العريض: ما الذى نريده من العالم، وكيف يمكن تحقيق ما نريد بالموارد المتاحة لدينا؟
وهذا التوجه لابد أن ينبع من فلسفة ما تقوم على نظرتنا لذاتنا ودورنا فى محيطنا والعالم الأوسع. هل نريد – مثلاً - التوجه شرقاً إلى الصين والهند (حيث أقطاب الاقتصاد الجديد)، أم شمالاً إلى أوروبا (كما نادى طه حسين)، أم نوجه أنظارنا شطر الأطلنطى (كما ذهب أنور السادات)؟.. هل نريد أن نقود المنطقة العربية (كما سعى ناصر)، أم نسعى لتجنب مشكلاتها (كما فعل مبارك)؟ هل نستمر فى سلام بارد مع إسرائيل أم نلغيه أم نزيد برودته أو سخونته؟
وإذا كان الظرف الحالى لا يسمح بصياغة فلسفة متكاملة للتحرك الخارجى ووضعها موضع التطبيق، فإن الخطر كل الخطر هو العمل بأسلوب «النقلة الواحدة».
٤- الحاجة لجهاز حديث للتعامل مع الشأن الخارجى
الخارجية المصرية مدرسة عريقة تتمتع بقدر لا بأس به من الاحترافية، ولكن الظرف الجديد يتطلب إعادة تأهيلها بصورة تأخذ فى الاعتبار البناء على ما هو موجود، والاستعداد لما هو آتٍ.
من الأهمية بمكان إعادة رسم دور جهاز التمثيل الدبلوماسى، وهو جهاز هائل (عدد سفاراتنا يتجاوز مائة وثلاثين سفارة، فضلاً عن أكثر من ثلاثين قنصلية، ولنا فى أمريكا اللاتينية وحدها ١٢ سفارة!!). وهذه السفارات تقوم فى الأساس بمهمة التمثيل الخارجى لمصر، وهى المهمة الرئيسية فى العمل الدبلوماسى، ولكنها لا تعمل فى إطار خطة وطنية متكاملة لها أهداف محددة. إذ ليس معروفاً مثلاً ما الذى نحتاجه من سفارتنا فى جواتيمالا؟ أو ما الذى تقوم به سفارتنا فى بورما أو نيبال ؟
ولماذا نحتفظ بسفارات فى كل الدول الاسكندنافية؟ ليست هذه دعوة لإغلاق هذه السفارات، فكل تواجد خارجى مفيد فى ذاته إذا جاء فى إطار خطة. ولكنها دعوة لصياغة استراتيجية وطنية لما نحتاج إليه من هذه السفارات. وأزعم أن العنوان العريض لهذه الاستراتيجية فى المستقبل ينبغى أن يكون دعم أولويات العمل الداخلى عن طريق الاتصال والتشبيك مع التجارب الأجنبية الناجحة فى المجالات المختلفة، بما يشمل البرامج والمنح ونقل الخبرات.
وهنا يصبح لسفارتنا فى تشيلى دور مهم فى نقل خبرة إعادة الهيكلة السياسية فى أعقاب الثورات، وتوكل لسفارتنا فى البرازيل مهمة نقل خبرة النمو الاقتصادى فى ظل سياسات تراعى الأبعاد الاجتماعية، وتصبح لسفارتنا فى براغ أهمية كبيرة فى نقل خبرة بناء جهاز استخبارات داخلى يعمل فى إطار القانون.. وهكذا.
وأخيراً، فإن إعادة تأهيل وزارة الخارجية تشمل رفع كفاءة جهاز التمثيل الخارجى، وتنشيطه وبث روح المبادرة فيه. فالتحرك الخارجى يعتمد فى الأساس على سرعة التنفيذ والقدرة على المبادأة وتوقع المشكلات والمسارعة بحلها. وهذه كلها أمور لا ترتبط بالتوجهات الخارجية بقدر ما ترتبط بكفاءة الجهاز الدبلوماسى وقدرات أفراده على تنفيذ السياسة والمشاركة فى صنعها. [/size][/b][/center][/size][/color] | |
|