نعمة محمد عبد الرحيم مدير إدارة المنتدي
عدد المساهمات : 1638 تاريخ التسجيل : 11/11/2010 العمر : 70 الموقع : مصر/المنيا
| موضوع: مساحة راى(عن يحيى يوسف الذى أخذنى من الميدان) الثلاثاء مارس 01, 2011 4:09 pm | |
| عن يحيى يوسف الذى أخذنى من الميدان
بقلم عزت القمحاوى ١/ ٣/ ٢٠١١ لم يكن يحيى يوسف معنا ليلة عدوان المجرمين على ميدان التحرير، لكن سرير مرضه تحول إلى جمر من النار رعباً على أبناء أخته، أبنائى، وعلىّ أنا الذى لا أعرف إن كنت ابن عمته أو زوج أخته أو صديقه أو زميله فى مهنة كدنا نتبرأ منها، أو حتى زميل فيروس واحد زرعه المجرمون فى أجسام ثلاثة أرباع المصريين قبل أن يتولوا تبوير الأرض.
لم يزرعوا إلا الخراب، ولم أمت أنا ولا أى من أبنائى فى الميدان، بعد أن أهدينا أفراد عائلتنا الكبيرة وبينهم يحيى ليلة من الرعب حتى الصباح. كان صوته يأتينى واهناً، حتى طمأنته على أننا بخير، وطلبت منه مثلما طلبت من أشقائى أن يناموا ولا يقلقوا عندما لا يجدون تليفونى متاحاً، بعد أن أوشك شحنه على الانتهاء.
وها هو يحيى يأخذ بحق قلقه علينا حزناً عليه ويمنعنى بموته من التواجد فى الميدان الجمعة الماضى المخيف الذى تشققت فيه يد الشعب والجيش الواحدة إلى ثلاث: يد للشعب ويد للجيش وثالثة للقلة المندسة.
وهذا التعبير «القلة المندسة» الذى استخدمه الجيش يثير الشؤم لأنه من التعبيرات القديمة شأنه شأن كل ما هو قديم ومؤلم. يؤلمنا هذا التعبير لأن الشعب كله كان بالنسبة لخاطفى مصر «قلة مندسة» وتؤلمنا رؤية وجوه لا نجد طريقة لكى نقنع المجلس العسكرى كم نكرهها، وكم سيكون تركنا للفوضى أفضل وأكثر أمناً من وجود القديم المخيف، وزراء ومحافظين وضباط شرطة من نوع ضابط المعادى وضابط البحيرة.
مات يحيى بعد أن أغلق كبده على الإصابة التى اعتبرها سراً يخصه وحده، وعاش بين أسرته وأصدقائه ليقاوم اثنين: المرض والعمق!
كنت أعرف أن قريبى ونسيبى وصديقى وزميلى يكره المرض، ليس لأنه المرض فحسب، ولكن لأنه يضطر إلى الإجابة عن أسئلتنا.
طور يحيى فى نفسه حب الوحدة كى يحتمل إجهاد المرض، هو الذى لم يكن يبتهج إلا وسط الجموع، كما طور نوعاً من الفكاهة التى كنت أستقبلها منه بمرارة، لأننى أعرف أنه يتحاشى بها الخوض فى لحم الحقيقة.
كان يدفع السائل عن أحوال كبده إلى سطح الضحك ليأخذه فى طريق آخر، فإن ألح السائل دفع فى وجهه بحزمة من الأخبار السعيدة عن الاكتشافات الجديدة التى ستمنحه كبداً جديداً، مرة عبر الخلايا الجذعية المحقونة فى الكبد القديم ومرة عبر الخلايا التى سيتخلق منها كبد جديد لن يحتاج إلا إلى سباك ليرفع القديم ويربط الجديد مكانه، ومرة عن إجراءات للسفر واستعدادات للزرع لم تكن حقيقية أبداً.
يحيى ليس حالة خاصة، لكنه أحد ضحايا الحرب الأقذر التى قادها نظام يسوقه العبيد لنا باعتباره نظاماً حكيماً لم يدخلنا حرباً.
ليته أدخلنا حروباً نموت فيها بكرامة بدلاً من الذبح كالنعاج بالأمراض وفى الحوادث على طرق غير مطابقة للمواصفات، لأن ميزانيات الرصف وميزانيات اللافتات الإرشادية منهوبة، ولأن شرطته مهمومة بتأمين المواكب لا حياة المصريين.
وإذا كان اجتماع شهيدين فى الحرب مع إسرائيل ببيت واحد مصادفة نادرة الحدوث، فإن شهداء الأوبئة وشهداء المرور يجتمعون فى البيت الواحد بسهولة تامة. ويحيى هو الثانى من أشقائه الذى يذهب فى هذه الحرب الخسيسة على المصريين. سبقه سمير، رجل القانون، الذى حوصر فى الثغرة ونجا من الموت على أيدى الإسرائيليين، ولكنه مات فى حرب الخدعة التى شنها نظام كافر يتاجر وزير صحته فى الدواء ووزير مواصلاته فى السيارات ووزير إسكانه فى المساكن، فكانت الأعمار أهم ما سرقوه وأعلاه قيمة، لهذا ولهذا فقط نرجو المجلس العسكرى أن يتفهم ضيقنا بالبطء وأن يتفهم كيف نصاب بالحمى عندما نرى وزراء العصر الإجرامى فى مواقعهم وعندما نرى عبيد العصر الإجرامى فى الإعلام يحتلون منصات الكلام وأعمدة الصحف.
رجال الجيش منا، ولابد أن فى عائلاتهم من مات بوباء ومن حرمه اللصوص من حق العمل ومن حق الأمل، وهذه هى الجرائم الكبرى التى ستظل ضد مجهول، والتى ستجعل الثأر بين المصريين والجراد أكبر من مجرد ثأر سياسى. ثأرنا شخصى يستدعى القصاص العاجل، والدستور لن يشفى غليل الذين أوذوا فى أعمارهم، سواء ماتوا فى الأوبئة قبل الثورة أو بالرصاص فى أثنائها.
الدستور الجديد لن يحقق القصاص لأن الدستور القديم المعيب نفسه كان يتضمن حق العلاج المجانى وقد دهسه الهكسوس وهم يجمعون الغنائم.
حولنا ديكتاتوريات من الماء إلى الماء، بما فيها ليبيا المخطوفة من رجل مجنون، لكن لا واحدة منها عانت هذا الكم من الأوبئة الذى يمنعنا من الإحساس بثمار الثورة، لأننا نقسم وقتنا بالعدل بين التظاهر من أجل إزاحة الأعداء عن مقاعد الحكم وبين السير فى جنازات الأحبا ب. [/b][/center] | |
|