]center]مساحة راى( لماذا مؤتمر الوفاق القومى؟)
بقلم د.يحيى الجمل ٢٣/ ٥/ ٢٠١١
عقد مؤتمر الوفاق القومى جلسته الافتتاحية يوم السبت الماضى فى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، وسيوالى المؤتمر عقد جلساته وجلسات اللجان المتخصصة الخمس المنبثقة عن المؤتمر خلال الأسابيع القادمة.
وهناك تساؤل طرحه الكثيرون: لماذا يعقد هذا المؤتمر لمناقشة قضايا دستورية؟ ولماذا لا ننتظر حتى تتم انتخابات مجلس الشعب وتتشكل الجمعية التأسيسية التى ستكون مهمتها الأساسية وضع مشروع الدستور الذى يستفتى عليه الشعب لكى يعطيه من إرادته الحرة القوة الملزمة، وهو فى تقديرى تساؤل مشروع، ويحسن أن تتضح الصورة أمام الشعب وأمام النخب السياسية، التى أثارت هذا التساؤل.
بداءة فإن هذا المؤتمر ليس بديلاً عن اللجنة التأسيسية بأى حال، ذلك أن اللجنة التأسيسية، بحكم الإعلان الدستورى، هى المختصة بوضع مشروع الدستور هذه قضية لا شبهة فيها.
ونحب الآن أن نوضح للجميع مهمة اللجنة أو المؤتمر «مؤتمر الوفاق القومى» وكيف جرى تشكيله.
مهمة مؤتمر الوفاق:
أعدت لهذا المؤتمر أمانة فنية مشكلة من عضو من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعضو من الحكومة وبعض كبار رجال القضاء الحاليين أو السابقين، واجتمعت هذه الأمانة الفنية فى عدة جلسات تدرس وتناقش مهمة المؤتمر، وكيف تسير أعماله حتى ينتهى إلى غايته المقصودة.
ورأت الأمانة أن مصر فيها تراث دستورى كبير يبدأ من أيام الخديو إسماعيل «القانون النظامى لسنة ١٨٦٦» ثم بعد ذلك تأتى نقلة كبيرة تمثلت فى ثورة ١٩١٩، وما أعقبها من تفاعلات، كان من أبرزها وضع دستور ١٩٢٣ الذى كان بكل المعايير دستوراً حديثاً يأخذ بالنظام البرلمانى، وكان الأصل أن الملك يحكم بواسطة الوزارة المسؤولة أمام مجلس النواب، ولم تكن للملك صلاحيات يستطيع أن يمارسها بمفرده.
كانت هذه هى نصوص دستور ١٩٢٣ ولكن الواقع العملى جرى على خلاف ذلك، سواء فى عهد الملك فؤاد أو فى عهد نجله الملك فاروق، كان الملك يريد أن يتدخل فى كل شىء ويفرض رأيه وكانت حكومة الوفد- آنذاك- تعارض رغبات الملك وتحرص على تطبيق الدستور بنصه وروحه، وكان ذلك يؤدى، عادة، إلى صدام بين الملك والحكومات الوفدية، ينتهى بإقالة الحكومة وتشكيل حكومة من أحزاب الأقلية التى كانت تخضع عادة لرغبات الملك، مهما كان افتئاتها على الدستور.
وقامت ثورة ١٩٥٢ وأسقطت دستور ١٩٢٣، ووُضع مشروع للدستور بواسطة لجنة من كبار القانونيين والسياسيين، وكان مشروعاً بالغ الجودة دقيق الصياغة، وللأسف فإن مجلس قيادة الثورة لم يوافق على المشروع ولم يطرحه على الشعب ولم يطبقه.
وبدأت بعد ذلك سلسلة من الدساتير التى تمكن السلطة كلها لرئيس الجمهورية وللتنظيم السياسى الواحد، واستمر هذا الحال إلى أن وُضِع دستور ١٩٧١.
ودستور ١٩٧١- فى أصل وضعه- كان دستوراً متقدماً نوعياً عن دساتير الثورة التى سبقته، وكان يمزج بين النظامين الرئاسى والبرلمانى، وتكررت فى ظله الآفة القديمة وهى أن التطبيق كان يسير على غير روح النصوص.
ثم حدثت الطامة الكبرى بتشويه دستور ١٩٧١ تشويهاً جذرياً بما أُدخل عليه من تعديلات سواء فى عام ٢٠٠٥ أو عام ٢٠٠٧، والحقيقة أن هذه التعديلات كانت تمثل خطيئة دستورية وخروجاً على المبادئ الدستورية المتعارف عليها فى النظام الديمقراطى، وقد انتقدت هذه التعديلات وقلت فى وقتها إن الذين صاغوها «أهانوا مصر أهانهم الله» وكان ذلك على صفحات هذه الجريدة، وفى كثير من المحطات التليفزيوينة الفضائية.
وفى ظل دستور ١٩٧١ أنشئت المحكمة الدستورية العليا، وأصدرت تراثاً قضائياً ضخماً.
هذه الثروة الدستورية كلها تحتاج إلى من يدرسها ويعدها ويقدمها إلى المصريين جميعاً.. ويضع بلورتها والدروس المستفادة منها أمام اللجنة التأسيسية، ومع هذا التراث تصورات «واقتراحات» للمبادئ الدستورية العامة، ويوضع ذلك كله أمام الجمعية التأسيسية، صاحبة الرأى النهائى، وللجمعية أن ترى فائدة فى هذه الدراسات وترى فيها ما يستحق أن تستعين به، ولها أن ترى أن ذلك كله لا جدوى منه وتطرحه جانباً، ولا تثريب عليها فى الحالتين، لأنها صاحبة الاختصاص الأصلى فى وضع مشروع الدستور.
هذا عن مهمة المؤتمر «مؤتمر الوفاق القومى».
أما عن كيفية تشكيله فقد تمت بطريقة ديمقراطية كاملة:
أرسلت الأمانة الفنية إلى كل الأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية والعمالية ومنظمات المجتمع المدنى، تطلب منها أن ترشح «هى» من تشاء من أعضائها، لكى يشارك فى أعمال ولجان المؤتمر ومناقشاته.
ومن حصيلة ذلك كله تبلور دراسة دستورية توضع أمام الجمعية التأسيسية. فهل فى هذا افتئات أو استباق لعمل الجمعية التأسيسية أم فيه مشاركة شعبية مطلوبة تقدم «رؤى واقتراحات» غير ملزمة وقد يكون فيها بعض الفائدة.
أرجو أن يكون الأمر أصبح واضحاً.[/center]