[justify]إصلاح النظام أم تغييره؟( موضوع للحوار والمناقشة)
بقلم د. مأمون فندى ٢٠/ ٤/ ٢٠١١
مصر تتأرجح بين رؤيتين: رؤية «إصلاح النظام» السابق، وهى الرؤية التى بدأت تسود المشهد، والرؤية الأخرى تهدف إلى «تغيير النظام»، وهى الرؤية التى نادت بها الثورة فى شعار «الشعب يريد تغيير النظام»، ولكن الكثيرين من أصحاب (عقلية البقالين) السياسية من الباحثين عن مكاسب ومصالح ضيقة يحاولون بيع الثورة بثمن بخس ويستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير. أصحاب رؤية إصلاح النظام المدفوعون بالمصالح الضيقة لا يدركون أن هناك موجة ثانية للثورة، ليست موجة لهدم النسق الثانى للنظام وحسب، بل إنها موجة ثورية بدأت تأخذ طابعاً جهوياً.
فمنطقة الصعيد التى كانت تراقب الثورة بحذر، وهى على حق لأن الصعيد غالبا لا يأخذ شيئا من ثورات مصر، هذا الصعيد بدأ بالانضمام إلى الثورة الآن، وربما الثورة بالكاد وصلت الصعيد. وما مظاهرات محافظة قنا المحتجة على فرض محافظ عليها إلا بداية لثورة الصعيد، تلك المنطقة التى لعب الكثيرون بأقدارها منذ ١٩٥٢ حتى الآن. فى قنا الشعب لا يريد إصلاح النظام، بل يريد تغيير النظام.
وموضوع قنا معقد لأن له بعده الطائفى المعروف، الذى كان واضحاً فى أحداث نجع حمادى منذ عامين، وكذلك قطع أذن رجل مسيحى بواسطة السلفيين، وهى حادثة شهيرة الآن، وما قنا إلا بداية. لقد هدأ «الأدرنالين» المحرّك للثورة فى القاهرة، ورضى البعض بما أعطى لهم من مكاسب.. مكاسب هى فى الواقع لم تزد كثيرا على ما أعطاهم إياه مبارك وعمر سليمان منذ ٢٩ يناير٢٠١١، فمازلنا نراوح فيما عرضه مبارك على لجنة الحكماء، ولكن الباحثين عن مكاسب صغيرة يحاولون ترويجه على إنه إنجاز، وهى رؤية الجماعة التى كان شعارها «الشعب يريد إصلاح النظام»، وهذا شعار يختلف جذريا عن رؤية الشعب الذى يريد «تغيييييير النظام».
يتجلى الفارق بين الرؤيتين (إصلاح النظام مقابل تغيير النظام) فى محاكمة مبارك ورجاله، فالذين يريدون إصلاح النظام يتبعون فى محاكمة مبارك ووزرائه قوانين قديمة لا تصلح لمحاسبة وزير، خصوصا بعد خروجه من سلطته، هؤلاء لا يريدون محاكمة مبارك محاكمة سياسية، بل يريدونها محاكمة جنائية بذات الإجراءات القديمة، واللعبة فى كل هذا هى أن معاقبة مبارك بقوانين جديدة تعنى انهيار الدولة ونهاية القانون فى البلد. هم أيضا يريدون محاكمة جزء من النظام وليس النظام كله. عبقرية نظام مبارك أنه ورط الجميع فى الفساد، لذلك نرى قلة ممن يدمنون الظهور على الشاشات يتحدثون عن محاكمة النظام، بل يكتفون بمحاكمة الخمسة أو العشرة الكبار، ومن خلال جهاز الكسب غير المشروع، رغم أن جهاز الكسب غير المشروع لا يتبع القضاء، فهو يتبع السلطة التنفيذية، يتبع وزير العدل المعين من قبل السلطة التنفيذية، إذن القضية لعبة وليست قضاء كما يشاع ويروج فى الإعلام المصرى. المروجون لما يحدث على أنه محاكمات هم من أقصدهم بجماعة الإصلاح، أما جماعة الثورة فهم من يريدون محاكمة النظام كله وتغييره، فتغيير النظام يعنى تغيير المنظومة القيمية الحاكمة للمجتمع.. يعنى تغيير الدستور وتغيير القوانين.
إن تبعات أصحاب دعوى إصلاح النظام التى بدأت تهيمن وتكاد تكون قد سرقت الثورة هى تبعات كثيرة وخطيرة، كل الإجراءات التى نراها اليوم فى مصر لا تمت لتغيير النظام بصلة، ما نراه هو محاولات للالتفاف على الثورة ومصادرة مكاسبها من أجل منافع ضيقة.
الخطاب الإعلامى المصرى لم يختلف قيد أنملة عن خطاب ما قبل الثورة، فلا أسماء تذكر، ولا حقائق ولا مواجهات، مجرد محاولات لـ«تظبيط» الشلل القديمة، وإعادة انتشارها كما تنتشر الجيوش بعد الهزائم فى الميدان، نحن أمام حالة إعادة انتشار للجيوش الإعلامية المصرية، التى تهدف جميعها فى متوسطها الحسابى لإصلاح النظام لا تغييره، وهذا يتجلى خصوصا فيما يتعلق بالصندوق الأسود للإعلام المصرى، وهنا أعنى صفوت الشريف الذى ما زال رغم الحبس يتحكم بسوق الإعلانات، فهناك حالة صمت عجيبة فى الإعلام المصرى الذى لا يذكره ولا يقترب منه.
إن لم تستطع الثورة فرض شروطها فى الأسابيع القليلة القادمة فإما ستكون مصر فى مواجهة الموجة الثانية من الثورة، التى ستكون عنيفة وليست سلمية كما كان ينادى الشباب فى الميدان، وإما سنرى مواجهات طائفية ناتجة عن سيطرة الجماعات الدينية التى التحقت بالثورة فى آخرها. إذا ما استطاعت قنا أن تفرض انتخاب المحافظ بدلا من تعيينه، فسنكون أمام استمرار الثورة، أما إذا فشلت قنا فى فرض انتخاب المحافظ وليس مجرد تغييره فنحن أمام انتصار لتيار جماعة إصلاح النظام على حساب الثورة وجماعة تغيير النظام.
[/justify]