[center]من أجل أرواح الشهداء كُن إيجابياً
بقلم د. أيمن الجندى
رويداً ستعود الحياة إلى طبيعتها. فرغنا من مواجهة عدونا وبقى أن نجابه مشاكلنا. أو كما كان يقول المُصطفى عند أوبته من الحروب: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر». وصدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جهاد النفس - لا ريب - هو الجهاد الأكبر.
لكن المشكلة أن السلبية تجذّرت فينا. التفت حولنا كخيوط العنكبوت، رقيقة فولاذية. أعظم جرائم النظام السابق أنه جعلنا سلبيين. أشعرنا باليأس من أى إصلاح ممكن.
خذ عندك على سبيل المثال: أول ما سيطالعك عند خروجك من بيتك هو أكوام القمامة. من قبل كنت تكتئب ولا تفعل شيئاً. تنظر للقذارة باعتبارها قضاء لا يُرد، ومعْلما من معالم المدينة. وتعلم فى الوقت نفسه أنك قليل الحيلة. لكن المفروض أنك تغيرت والأمور تغيرت. ستتصارع الأفكار فى رأسك. هل تكون سلبيا فتهز كتفيك وتنصرف إلى أعمالك؟! أم تكون إيجابيا فتُتعب نفسك وتذهب إلى مبنى المحافظة؟! السلبية أسهل وأجلب للراحة.
ستهم بالانصراف ثم تتذكر الشهداء فتخجل من نفسك. وقتك ثمين وأرواح الشهداء أثمن. تهيمن عليك روح الثورة. تقول لنفسك إن النقطة الفاصلة فى الإصلاح أن تصبح إيجابياً، أن تتغلب على سلبيتك القديمة. افعل شيئاً، اذهب إلى مبنى المحافظة، وأسمعهم صوتك. فى البدء سيستقبلونك بدهشة، أو يعلّلونك بالأمانى. أو يحاولون تهدئتك إذا ارتفع صوتك، أو يتحججون بضعف الميزانية. اطْلب أن يكون منصب المحافظ ورئيس المدينة بالانتخاب، واحرص على إعطاء صوتك فى الانتخابات المحلية. ثق فى أعماق نفسك بأنك إنسان مُكرّم يستحق أن يحيا فى مدينة نظيفة
المهم أن تكون إيجابياً.
ستقابل عشرات الأمثلة المماثلة. ستركب القطار فتجد المقاعد مُحطمة، ودورات المياه سابحة فى القذارة. سيتأخر القطار فى القيام وفى الوصول. النوافذ مُتسخة والتكييف مُعطل. لا تهز كتفيك وتذهب لحال سبيلك. كن إيجابياً وأنفق قليلاً من وقتك. اذهب وقابل مسؤولاً أو قدّم شكوى. تذكر أرواح الشهداء التى صعدت من أجلك.
هذا الشباب الغض فى عمر الورد الذين ضحوا بأرواحهم، بأيامهم، بأحلامهم، بخفقان قلوبهم، بقصص حبهم التى لم تكتمل، بزوجات فى عالم الغيب ينتظرنهم، بأبناء لم تكتحل بهم عيونهم، بنزهات سعيدة مع أقربائهم، بمواعيد ليلية، برحلات نيلية، بسهرات سينمائية.
ضحوا بمواعيد الغرام، بقادم الأيام، بضحكات من القلب مع أصدقائهم. استقبلوا الرصاص من أجل أن نحيا حياة كريمة. من أجل ألا يسرقنا أحد، أو يمتهننا أحد، أو نسير فى شوارع قذرة، أو يتأخر القطار الذى ننتظره، من أجل أن يحيا المصريون بكرامة، من أجل أن ننهى رحلتنا الأرضية بسلامة.
رفرفت أرواحهم كأسراب حمام أبيض، تعبر نحو سماوات الفرح. ترسل لنا رسائل المحبة، تقول الرسالة: «متنا من أجلكم بشجاعة، فعيشوا من أجلنا بكرامة. سعادة الشهيد أن يتحقق ما مات من أجله، فلا تُضيعوا تضحياتنا سدى».[/center]