نعمة محمد عبد الرحيم مدير إدارة المنتدي
عدد المساهمات : 1638 تاريخ التسجيل : 11/11/2010 العمر : 70 الموقع : مصر/المنيا
| موضوع: لثورة وحتمية العفو الشامل الجمعة مايو 27, 2011 5:44 pm | |
| ]b]الثورة وحتمية العفو الشامل (مساحة راى)
كتب يحيى محمد طاهر ٢٧/ ٥/ ٢٠١١ من المسلم به فى القانون الجنائى المقارن اشتراط توافر القصد الجنائى المجرَّم «الركن المعنوى»، مقترناً بالفعل المجرم «الركن المادى» لاستحقاق العقاب، ولتبسيط الأمر نضرب مثالاً بالسارق، فلكى يعتبر فعله جريمة يعاقب عليها بعقوبة السرقة لابد أن يقصد الاستيلاء على مال يعلم أنه غير مملوك له مع نفس فعل الاستيلاء، فلو قام مثلا بسرقة سيارة وهو يظنها سيارته فلا يستحق هنا عقوبة السرقة لتخلف الركن المعنوى «قصد السرقة»، ولو قصد سرقة سيارة وسرقها يظنها سيارة غيره ثم اكتشف أنها سيارته لا يعاقب عقوبة السارق بالرغم من توافر الركن المعنوى «قصد السرقة» وذلك لتخلف الركن المادى وهو الاستيلاء على مال الغير، وهكذا.. وهذه القاعدة لا تجد تشريعاً جنائياً شرعياً أو وضعياً إلا وهى من مسلماته.
ذكر هذه المقدمة من الأهمية بمكان لتأصيل الأساس النظرى والفلسفى الذى تبنى عليه حتمية العفو الشامل كنتيجة للثورة.
ولتوضيح الأمر لابد أن نقرر أولاً أن الفرق بين الثورة وغيرها من وسائل التغيير السياسية للسلطة سواء بالتداول السلمى أو التوريث أو الانقلاب العسكرى، أن الثورة انقلاب وتغيير يمس كل جزئية من جزئيات المجتمع اجتماعياً واقتصادياً وقانونياً، فضلاً عنها سياسياً بل وقبل ذلك قيمياً أيضاً. بدون هذا الانقلاب، وذلك التغيير تصبح تسميتها ثورة من باب المجاز أو من باب النفاق، نفاق الجمهور الثائر حتى يشعر أنه قام بثورة والمراد لها أن تنتج فقط نتائج حركة.
ويلزم من تميز مفهوم الثورة السابق أن تصبح كثير من الأفعال المجرمة فى نظام وأطر مجتمع ما قبل الثورة أفعالاً غير مجرمة وأحياناً فاضلة فى نظم وأطر ما بعد الثورة، خاصة ما يتعلق منها بمقاومة النظام السياسى المثار عليه.
فعلى سبيل المثال، روسيا قبل الثورة البلشفية ١٩١٧، كان عدم دفع الضريبة للسيد الإقطاعى جريمة يعاقب عليها، وكان سب الملك والدعوة للتمرد عليه جريمة عظمى يُنفى من أجلها المجرّم إلى سيبريا حتى الموت، ولا يمكن بعد قيام الثورة أن يظل معاقباً من أتى هذه الأفعال التى أصبحت فضائل، حيث تخلف الركن المادى، حيث أصبح الفعل غير مجرم، بل المعنوى أيضاً حيث أصبح هذا القصد ذاته غير مجرم.
ومن هذا المنطلق كان أول ما تثمر الثورات إزالة العقوبة عن المسجونين السياسيين الذين يرتبط الجرم، المعاقبون عليه، بمخالفة النظام السياسى السابق أياً كان قصد أو نوع المخالفة. ذلك أن مخالفة النظام السياسى السابق أصبحت فضيلة بعد أن كانت جريمة، وإن اعترض على ذلك بأن الوسيلة المتبعة فى المخالفة قد لا تقرها الثورة، فإن دفع هذا الاعتراض يكون بتخلف الركن المعنوى، أى أن القصد نفسه أصبح غير مجرم، وبالتالى تخلف ركن أساسى من أركان الجريمة.
فإن قيل لماذا لا ينطبق هذا الأمر على المعاقب جنائياً أيضاً؟ الرد ببساطة.. إن السارق مثلا يظل فعله وقصده مجرماً بعد الثورة كما كان قبل الثورة. هذا فارق جوهرى لابد من الالتفات إليه عند تناول هذه المسألة.
هذا من الناحية النظرية البحتة لمسألة حتمية العفو الشامل مقترناً بالثورات، فلو قمنا بتطبيق هذا الفرض على الواقع العملى للثورة المصرية فى ٢٥ يناير لوجدنا حيثيات أخرى كثيرة تحتم إصدار عفو شامل عن السجناء السياسيين فى عهد مبارك.
فالفرض النظرى الذى ناقشناه لتونا ينتج أثره حتى لو كانت النظم القضائية فى عهد النظام المثار عليه نظماً عادلة تسمح للماثل أمامها باستيفاء حقوقه القانونية فى الدفاع والاستئناف والنقض، فإذا ظهر للجميع بما لا يدع مجالاً للشك عمق بحر الفساد الذى كانت تسبح فوقه الإجراءات والقوانين التى كان يحاكم بها النظام السابق خصومه.
بدءاً من الضبط الذى كان يفتقر لأى ضمانة قانونية ثم التحقيقات التى كانت بواسطتها تنتزع اعترافات المتهم مع نزع أظافره وتحت سياط الكهرباء، ثم المحاكم الاستثنائية الهزلية التى لا تسمح بالدفاع ولا حتى سماع شهود النفى، ولا حق فى استئناف ولا نقض، والتى كم أعدمت من برىء، برىء حتى من التهم التى لم تصبح تهماً بعد الثورة، وكم أكلت من أعمار شباب طاهر، كل جريمته أنه وقف فى وجه الظلم والفساد هذا لو ثبت أنه وقف أصلاً.
لو وضعنا كل هذه المقدمات نصب أعيننا لن نقتنع بحتمية العفو الشامل بل سنقتنع بأننا أصبحنا مشاركين فى ظلم من عاقبهم النظام البائد إذا استمرت العقوبة التى أصبح لا مبرر لها بعد نجاح ثورتنا على هذا النظام العفن.
إن ما سبق من بدهيات ليضع علامات استفهام كبرى على عدم صدور عفو شامل عن السجناء السياسيين فى عهد مبارك حتى الآن.
والله المستعان[/b] | |
|